د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
- قال الله تعالى:
"ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها".
في هذه الآية دلالة واضحة على وجوب الحجاب الكامل،
وبيان ذلك من وجوه:
- الوجه الأول:
العفو عما ظهر بغير قصد.
إذا حصل الفعل باختيار:
أسند إلى الفاعل،
وإلا لم يسند..
مثال ذلك:
فعل "ظهر"..
- إذا كان عن اختيار، قيل:
"أظهر"؛
أي فعل ذلك بإرادة وقصد.
- وإذا كان عن غير اختيار،
قيل: "ظهر"؛
أي بغير بإرادة من الفاعل.
وفي الآية جاء الفعل "ظهر"،
وليس "أظهر"،
فالاستثناء إذن في قوله: {إلا ما ظهر منها}،
يعود إلى ما يظهر من المرأة،
من زينتها، بدون قصد.
ولننظر الآن:
ما الزينة التي تظهر منها بغير قصد؟.
يقال هنا: قوله:
"ما ظهر منها"،
ضابط يندرج تحته كل زينة المرأة:
الظاهرة، والباطنة.
الوجه والكف،
وما دونهما،
وما فوقهما،
فكل ما ظهر منها بغير قصد، فمعفو عنه
لأن الشارع لا يؤاخذ على العجز والخطأ.
وبيان هذا:
أن ما يظهر من المرأة بغير قصد على نوعين:
- الأول:
ما لا يمكن إخفاؤه في أصل الأمر: عجزا.
وذلك مثل:
الجلباب
، أو العباءة، أو
الرداء.
[بمعنى واحد]،
ويليه في الظهور: أسفل الثوب تحت الجلباب،
وما يبدو منه بسبب ريح،
أو إصلاح شأن،
وكل هذه الأحوال واقعة على المرأة لا محالة.
- الثاني:
ما يمكن إخفاؤه في أصل الأمر،
لكنه يظهر في بعض الأحيان:
عفوا دون قصد
. مثلما إذا سقط الخمار،
أو العباءة،
أو سقطت المرأة نفسها،
فقد يظهر شيء منها
وجهها،
أو يدها،
أو بدنها.
ففي كلا الحالتين:
حالة العجز،
وحالة العفو. يصح أن يقال: "ظهر منها"
(1). وحينئذ فالآية بينت أنها غير مؤاخذة،
لأنها عاجزة،
ولأنها لم تتعمد،
وبمثل هذا فسر ابن مسعود – رضي الله عنه -
الآية
، وجمع من التابعين،
فذكروا الثياب مثلا على ما يظهر بغير اختيار،
قال ابن كثير في تفسيره [6/47]:
"{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"،
أي ولا يظهرن شيئا زينة للأجانب،
إلا ما لا يمكن إخفاؤه.
وقال ابن مسعود:
كالرداء والثوب.
يعني ما كان يتعاناه نساء العرب،
من المقعنة التي تجلل ثيابها،
وما يبدو من أسافل الثوب،
فلا حرج عليها فيه،
لأن هذا لا يمكن إخفاؤه.
ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها،
وما لا يمكن إخفاؤه".
وهذا التفسير يطابق معنى الآية،
ولا يعارضه بوجه،
أما قول من فسر الآية:
{ما ظهر منها}،
بالوجه واليد،
فإن فيه إشكالا:
فأصحاب هذا القول،
يصرحون بجواز إظهارهما مطلقا،
دون قيد،
ولو أنهم جعلوا مناط الجواز:
حال العفو. لكان موافقا لمعنى الآية،
لكنهم قصدوا حال الاختيار والتعمد،
وهذا ينافي معنى وتفسير الآية,
كما تقرر آنفا.
إذن في الآية قرينة تبين أن المراد:
ما ظهر منها بعفو؛ من دون قصد، وتعمد،
واختيار.
وغير هذا القول يتعارض كليا مع لغة العرب،
التي نزل بها القرآن،
ومن شروط التفسير ألا يعارض كلام العرب.
- استطراد في بيان موقف الشيخ الألباني رحمه الله من هذا الوجه.
هذا الإحكام في الدلالة:
حمل الشيخ الألباني،
رحمه الله وأعلى درجته،
على ترجيح أن الآية دلت صراحة على وجوب ستر الزينة كلها،
وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب،
إلا ما ظهر بغير قصد،
واستدل بقول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسيره:
"إلا ما ظهر منها" بالثياب.
وقد كان ذلك رأيه،
رحمه الله،
في أول الأمر..
ثم إنه تراجع عنه،
ومال إلى قول من رجع بالاستثناء على الوجه والكف، قال:
" ففي الآية الأولى [آية الزينة]
التصريح بوجوب ستر الزينة كلها،
وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب،
إلا ما ظهر بغير قصد منهن
، فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره،
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره..".
فذكر المنقول من كلامه آنفا، ثم قال:
"وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير:
{إلا ما ظهر منها}،
هو المتبادر من سياق الآية،
وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها:
فمن قائل:
إنها الثياب.
ومن قائل:
إنها الكحل
، والخاتم،
والسوار، والوجه.
وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في تفسيره عن بعض الصحابة والتابعين،
ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء:
الوجه والكفان. قال:...".
ومضمون ما ذكره ابن جرير:
أن ما ظهر منها هو الوجه واليد.
باعتبارهما ليسا بعورة في الصلاة؛
أي أنه قاس عورة النظر على عورة الصلاة. لكن الشيخ تعقبه فقال:
"وهذا الترجيح غير قوي عندي، لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني،
وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي،
وهو غير لازم هنا،
لأن للمخالف أن يقول:
جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة،
أمر خاص بالصلاة،
فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة،
لوضوح الفرق بين الحالتين.
أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها،
لدليل،
بل لأدلة أخرى غير هذه،
كما يأتي بيانه،
وإنما المناقشة
هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه
، لا في صحة الدعوى،
فالحق في معنى هذا الاستثناء،
ما أسلفناه أول البحث،
وأيدناه بكلام ابن كثير،
ويؤيده أيضا ما في تفسير القرطبي:
قال ابن عطية:
ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية،
أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي،
وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة،
ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركتها فيما لا بد منه،
أو إصلاح شأن
، ونحو ذلك فـ{ما ظهر} على هذا الوجه،
مما تؤدي إليه الضرورة في النساء،
فهو معفو عنه.
قال القرطبي: قلت:
هذا قول حسن،
إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين،
ظهورهما عادة عبادة، وذلك في الحج والصلاة، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما..".
وبعد أن نقل كلامه بتمامه قال الشيخ:
"قلت: وفي هذا التعقيب نظر أيضا،
لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة،
فإنما ذلك بقصد من المكلف،
والآية حسب فهمنا،
إنما أفادت استثناء ما ظهر منها دون قصد،
فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلا شاملا،
لما ظهر بالقصد؟! فتأمل".
وكما قلت آنفا،
فقد كان هذا رأيه في دلالة هذه الآية، في أول الأمر،
فلم ير فيها ما يدل على كشف الوجه واليد،
وإن كان يرى جواز كشفهما،
لكن لأدلة أخرى.
وبغض النظر عن إمكان الجمع بين قوليه:
- القول بأن الآية دلت على ستر الزينة كلها،
وعدم إظهار شيء منها للأجانب،
إلا ما ظهر بغير قصد.
- والقول بجواز كشف الوجه واليد، لكن بأدلة أخرى.
فإن الشيخ مال بعد إلى القول الذي كان رده أولاً،
فقال:
"ثم تأملت؛
فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء [من فسر الآية بالوجه والكف] هو الصواب،
وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله، وبيانه:
أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى:
{إلا ما ظهر منها}،
يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة،
غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا،
فيما تظهره بقصد منها،
فابن مسعود يقول:
ثيابها؛
أي جلبابها.
وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول:
هو الوجه والكفان منها.
فمعنى الآية حينئذ:
إلا ما ظهر منها عادة بإذن الشارع وأمره".
ثم استدل لهذا الرأي،
بأن كشف الوجه والكف هو عادة النساء في عهد النبوة وبعده،
فقال:
"فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها،
سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما،
فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد، لأنه مأذون فيه، كإظهار الجلباب تماما، كما بينت آنفا.
فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا:
إن المراد بالاستثناء في الآية:
الوجه والكفان.
وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده".
قال:
"قلت: فابن عباس,
ومن معه من الأصحاب،
والتابعين،
والمفسرين:
إنما يشيرون بتفسيرهم لآية:
{إلا ما ظهر منها}، إلى هذه العادة،
التي كانت معروفة عند نزولها، وأقروا عليها،
فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود". [جلباب المرأة المسلمة 39-53]
فهذا كلامه بالتفصيل، ويلاحظ ما يلي:
(1) صريح الآية استثناء ما ظهر بغير قصد،
فلا يدخل فيه الوجه والكف،
لأنهما يظهران بقصد،
وهذا ما أقر به الشيخ في أول كلامه،
ودعا للتأمل فيه.
(2) لا يصح صرف هذا المعنى الصريح [استثناء ما ظهر بغير قصد]
إلى غيره [استثناء ما ظهر بقصد]
إلا بقرينة صحيحة،
والقرينة التي استدل بها الشيخ هنا هي: عادة النساء في عهد النبوة.
وهذه قرينة غير مسلمة،
فللمنازع أن يرد ذلك،
بأن عادة النساء لم تكن في الكشف،
بل في الستر،
ويسوق على ذلك آثارا صريحة،
لا ينكرها الخصم،
بل يثبت أن الكشف كان عادتهن في أول الأمر،
حتى أمرن بالتغطية،
كيلا يتشبهن بالإماء،
كما في آية الإدناء،
وحينئذ فقوله هو الراجح،
أو لا أقل من أن يكونا متساويين،
وحينئذ،
في الحالين،
لا تصح القرينة هنا،
فإن القرينة لا بد أن تسلم من المعارضة.
ثم كيف يكون عادتهن، في عهد النبوة: الكشف.
والتغطية مستحبة في أدنى أقوال العلماء..؟!!..
أفكان ذلك الرعيل الأول من المؤمنات مفرطات في هذا الثواب الجزيل،
مع ما نقل عنهن من تسابق للخير،
يوازي مسابقة الصحابة رضوان الله عليهم؟!.
(3) إذا بطلت القرينة،
بقيت الآية على حالها،
صريحة في استثناء ما ظهر بغير قصد،
ومن ثم تبطل دلالتها على جواز كشف الوجه الكف.
(4) تشبيه الوجه والكف بالجلباب باطل
لأن الوجه والكف يمكن إخفاؤه،
والجلباب لا يمكن.
(5) مة نزاع في فهم كلام الصحابة،
كابن عباس رضي الله عنهما:
ما أراد بالوجه والكف؟
. فالآثار عنه تبين أنه أراد جواز إظهارهما للمحارم غير الزوج، وليس الأجانب، وسيأتي تفصيله بعد قليل.
(6) يبطل بذلك قول الشيخ أن معنى الآية:
"إلا ما ظهر منها بإذن الشارع وأمره"؛
الوجه والكف،
إلا في حالة واحدة،
هي: إذا ظهرا بغير قصد.
* * *
الوجه الثاني:
الزينة ليست المتزين.
الزينة في كلام العرب هي:
ما تتزين به المرأة،
مما هو خارج عن أصل خلقتها،
كالحلي
. وكذلك استعملت الزينة في القرآن للشيء الخارج عن أصل خلقة المتزين،
من ذلك قوله تعالى:
- {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، أي الثياب.
- {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها}،
فالزينة على الأرض،
وليس بعض الأرض.
- {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}،
فالكواكب زينة للسماء،
وليست منها.
وهكذا، فلفظ الزينة يراد بها ما يزين به الشيء،
وليس من أصل خلقته.
وعلى ذلك فتفسير الزينة ببدن المرأة خلاف الظاهر،
ولا يحمل عليه إلا بدليل،
فقول من قال:
إن الزينة التي يجوز للمرأة إظهارها هو:
الوجه والكف. خلاف المعنى الظاهر،
فإذا فسرت بالثياب استقام في كلام العرب ولغة القرآن.
[انظر: أضواء البيان 6/198-199].
ويؤيد هذا ما رواه ابن جرير [التفسير 17/257] بسنده:
- عن أبي إسحاق،
عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - قال:
{إلا ما ظهر منها}،
قال: الثياب. قال أبو إسحاق: "ألا ترى أنه قال: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}".
فاستدل أبو إسحاق على صحة تفسير الزينة بالثياب بالقرآن،
ففسر القرآن بالقرآن،
وهذا أعلى درجات التفسير،
لأن الله تعالى أعلم بمراده.
فإن قال قائل:
قد علمتم أن من الأقوال التي قيلت تفسيرا للزينة في الآية أنها:
الكحل والخضاب.
وهما من الزينة،
لا شك في ذلك، وليسا من أصل الخلقة،
فلم لا يكون الاستثناء عائدا إليهما،
فيجوز للمرأة حينئذ إظهار الكحل في العين
والخضاب في اليد، وإذا حصل ذلك، لزم منه كشف الوجه واليد.
فالجواب أن يقال:
لا يلزم من جواز إظهار الكحل في العين:
إظهار الوجه.
ثم لا نسلم لكم أن ابن عباس رضي الله عنهما قصد بذكر الوجه والكف،
أو الكحل،
والخاتم،
والخضاب:
إظهارهما للأجانب.
فإن هذا هو محل النزاع:
ماذا عنى ابن عباس؟،
وسيأتي بيان هذه المسألة.
* * *
الوجه الثالث: هو قول طائفة من السلف.
القول بأن الذي يتسامح في ظهوره للأجانب هو الثياب،
هو قول طائفة من السلف:
- روى ابن جرير بسنده عن ابن مسعود، قال:
"{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}،
قال: الثياب".
- وروى أيضا بسنده إبراهيم النخعي قال: "{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}،
قال: الثياب".
- وروى بسنده عن الحسن في قوله: {إلا ما ظهر منها}،
قال: الثياب.
- ومثله عن أبي إسحاق السبيعي. [التفسير 17/256-257]
- وقال ابن كثير في تفسيره [6/47]:
"{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}،
أي ولا يظهرن شيئا زينة للأجانب،
إلا ما لا يمكن إخفاؤه.
وقال ابن مسعود:
كالرداء والثوب
. يعني ما كان يتعاناه نساء العرب،
من المقعنة التي تجلل ثيابها،
وما يبدو من أسافل الثوب،
فلا حرج عليها فيه،
لأن هذا لا يمكن إخفاؤه.
ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها،
وما لا يمكن إخفاؤه.
وقال بقول ابن مسعود:
الحسن،
وابن سيرين،
وأبو الجوزاء،
وإبراهيم النخعي وغيرهم".
فهذه أقوال جمع من السلف،
كلها دلالتها صريحة على وجوب تغطية الوجه،
فعلى الرغم من أن الآية عمدة عند القائلين بجواز الكشف،
إلا أن هؤلاء الأئمة لم يفهموا هذا الفهم بوجه ما.
وبهذه الأوجه يثبت من غير شك:
أن دلالة الآية قاطعة،
على وجوب الحجاب الكامل على المرأة.
* * *
استطراد: اعتراض، وجواب.
فإن قال قائل:
فما تصنعون بالآثار الواردة عن الصحابة،
ومن بعدهم من الأئمة في تفسير:
{ما ظهر منها}،
بالوجه والكف.
وهي آثار منها الثابت،
ومنها ما دون ذلك،
والحجة في الثابت منها.
فالجواب ما يلي:
- (جواز كشف الوجه واليد للمحارم، لا الأجانب).
ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية بالوجه والكف:
مفسر بما جاء عنه في الرواية الأخرى،
التي رواها ابن جرير فقال:
- "حدثني علي، قال:
ثنا عبد الله،
قال:
ثنى معاوية،
عن علي،
عن ابن عباس قوله:
{ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال:
والزينة الظاهرة:
الوجه،
وكحل العين،
وخضاب الكف،
والخاتم.
فهذه تظهر في بيتها،
لمن دخل من الناس عليها". [التفسير 17/259] (2).
من هم الناس في كلام ابن عباس؟.
أهم الأجانب؟..
كلا،
فإن تحريم دخول الأجانب على النساء،
لا يخفى على أحد، فضلا عنه،
وقد قال رسول الله صلى الله وسلم:
(إياكم والدخول على النساء)، والآية:
{وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب}.
إذن فقصده إذن:
من دخل عليها من محارمها غير الزوج.
فهذه تبدي لهم ما ظهر منها،
مما يشق عليها إخفاؤه في بيتها،
فعلى هذا يحمل قول ابن عباس،
لا على نظر الأجانب إليها.
وهذا يوافق ما جاء عنه في تفسير قوله تعالى:
{يدنين عليهن من جلابيبهن}،
فقد روى ابن جرير بسنده إلى ابن عباس في الآية قال:
"أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة،
أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب،
ويبدين عينا واحدة" [التفسير 19/181]،
فهذا صريح في تغطية الوجه،
وقد تقدم.
ومن المعلوم المقرر عقلا: أنه إذا وردت عن الصحابي رواية صريحة في المعنى،
وأخرى محتملة للمعنيين، كان حملها على المعنى الصريح هو المتوجب،
فكيف إذا كانت هذه الأخرى أقرب إلى معنى الرواية الأولى؟.
* * *
مع يقيننا أن هذا الوجه قاطع للنزاع في معنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما،
فهو أحرى من فسر لنا كلامه،
وقد بين أنه أراد إظهار الوجه والكف للمحارم،
لمن دخل منهم البيت،
وهو الموافق لقوله في آية الجلباب،
إلا أنه تنزلا،
وجدلا نقول: هب أن ابن عباس لم يرد عنه ما يفسر كلامه،
فهل تفسيره الآية بالوجه والكف ليس له إلا احتمال واحد هو:
جواز إظهارهما للأجانب؟.