اسراروخفايا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسراروخفايا

منتدى عام بناءومفيد لكل شئ


    عزيز عليه ما عنتّم

    الخنساء
    الخنساء
    الخنساء مديرة


    عدد المساهمات : 105
    تاريخ التسجيل : 25/01/2010
    الموقع : اسراروخفايا

    عزيز عليه ما عنتّم Empty عزيز عليه ما عنتّم

    مُساهمة  الخنساء الأربعاء فبراير 03, 2010 5:21 pm

    عزيز عليه ما عنتّم



    الدكتور عثمان قدري مكانسي


    تمت بيعة العقبة الثانية في السنة الثالثة عشرة للبعثة :

    وكان من بنودها أن يهاجر المسلمون من مكة إلى إخوانهم في يثرب

    فموطن الإتسان الحقيقي وداره التي يجب أن يسعى إليها

    ويعيش فيها

    ذلك المكان الذي يتعبّد فيه بحريّة

    ويقيم فيه شعائره دون أن يكون عليه رقيب

    ويحسُّ فيه بشخصيته

    ويصنع فيه مع إخوانه في العقيدة مجتمعاً مسلماً .

    . إنها المدينة المنوَّرة إذاً . .

    وأمر الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين أن يهاجروا إليها

    والهجرة ليست أمراً سهلاً

    فهي إهدار للتجارة وتضحية بالمصالح المادية

    يترك الإنسان متجره

    وأرضه الزراعية

    ومصنعه

    وبيته الذي تعب في إنشائه

    وقد يدع أهله وأولاده ومَنْ يحب لينجو بنفسه ودينه . .

    ولا مفرَّ من التضحية وإن كانت فادحة الثمن ليكسب ما هو أثمن وأغلى وأدوَمُ . . .
    وبدأ المسلمون يهاجرون . . كلٌّ بطريقته

    وبدأ المشركون يتعقَّبونهم ويمنعونهم لشعورهم أنَّ مَنْ يترك كلَّ شيء لا بدَّ أن يكون في نفسه قوياً

    وسيعود ليهددهم في عقر دارهم
    ويستعيد حقّه
    ويقضي عليهم .
    وكان هناك نماذج من المنع .

    1 ـ لما أراد صهيب رضي الله عنه الهجرة جعل ماله في مكان آمن ثم انطلق نحو المدينة

    فأحسَّ به المشركون

    فقد كان حانوته ـ مصنع الحدِادَةِ للسيوف وأسّنةِ الرماح ـ مغلقاً . .

    وطاردوه بخيولهم حتى صاروا على مقربةٍ منه

    فشعر بهم وأسرعَ إلى تلٍّ قريب يشرف عليهم وانتضى أحد سهامه ووضعه في قوسه وسدَّد نحوهم

    فلما عرفوا فيه صدق ما انتواه قالوا :

    ما أنتَ فاعل يا صهيب ؟
    قال :

    ولأيِّ شيء تبعتموني يا أعداء الله ؟!
    قالوا وقد كشروا عن نواياهم الخبيثة :

    أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا

    وبلغتَ الذي بلغتَ

    ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ؟
    قال لهم :

    تعلمون أنني والله أشدكم إصابة للهدف

    وأن سهمي لا يخيب ولن تصلوا إليَّ حتى تفرغ سهامي وأقتل بكل سهم رجلاً .
    قالوا :

    هات مالك نَعُدْ أدراجنا .
    قال :

    لا أحمل منه شيئاً وقد تركته في مخبأ في مكة .
    قالوا :
    دلّنا عليه إذاً . .
    قال :

    هو في مكان كذا وكذا وأنتم تعلمون صدقي .
    فانطلقوا إلى ذلك المكان الذي حدَّدَه ثم توقف أحدهم

    فقال ألا يكون كاذباً في قوله لنا آنفاً ؟
    قالوا له :

    نحن نعرف أصحاب محمد لا يكذبون . .

    فقد رأوا المال في المكان لذي حدّدَه .
    وحين وصل إلى المدينة المنوّرة استقبله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ باشّاً

    فرحاً بقدومه قائلاً له :

    (( ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى )) .

    2 ـ كان أبو سلمة رضي الله عنه أوّل المهاجرين ـ قبل العقبة الكبرى بسنة ـ وخرج بزوجته أم سلمة وابنه سلمة

    فلما أجمع الخروج قال له أصهاره :

    لا نستطيع أن نغلبك على نفسك ،

    أما زوجتك فهي ابنتنا ،

    فعلام نتركك تسير بها في البلاد ،

    لا والله لا تأخذها ،

    فانتزعوها منه ومعها ابنها .
    غضب آل أبي سلمة حين رأوا أهل زوجته قد منعوها أن تسافر معه فقالوا :

    هذه ابنتكم حبستموها ،

    فعلام نترك سلمة معها ؟

    والله لا نترك ابننا معها

    وتجاذبوا الغلام بينهم فخلعوا يده

    وذهبوا به .
    وانطلق أبو سلمة وحده إلى المدينة

    وكانت أم سلمة بعد ذهاب زوجها

    وضياع ابنها

    تخرج كل صباح إلى خارج المنازل تبكي على تشتت أسرتها حتى تمسي . .

    ومضى على ذلك سنةٌ

    فرَقَّ لها أحد ذويها

    وقال :

    ألا تخرجون هذه المسكينة ؟!!

    فرَّقتم بينها وبين زوجها وابنها

    فرَقّوا لها وقالوا لها :

    الحقي بزوجك إن شئت

    فاسترجعت ابنها من عصبته

    وخرجت تريد المدينة وليس معها أحدٌ مِنْ خلق الله . .

    والمدينة تبعد عن مكة ثلاث مئة ميل

    ولكنْ ما تقول في قسوة القلوب

    وجفاء الطبع ؟!!

    حتى إذا كانت بالتنعيم

    خارج مكة صوب المدينة

    لقيها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قال لها

    هل أفرج عنك يا أمَّ سلمة ؟

    وكان يعرف حالها

    قالت : نعم . .

    قال :

    أزمعت اللحاق بزوجك ؟

    قالت :

    نعم فلم تطب نفسه أن يتركها تسير وحدها لا معين لها

    فشيعها إلى المدينة

    وهو صاحب نخوة ومروءة

    فلما نظر إلى قباء قال :

    زوجك في هذه القرية ثم انصرف راجعاً إلى مكة .

    3 ـ تواعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعياش بن أبي ربيعة المخزومي وهشام بن العاص بن وائل موضعاً يصبحون عنده

    ثم يهاجرون إلى المدينة المنوّرة

    إلا أن هشام بن العاص حبسه أهله حين علموا بعزمه مغادرة مكة فهاجر عمر وعياش وحدهما

    ولما قدما المدينة نزلا بقُباء . .

    ولم تمض مدة حتى قدم إلى قباء أبو جهل وأخوه الحارث يريدان عيّاشاً

    وأم الثلاثة واحدةٌ ـ فقالا له :

    إن أمك نذرت أن لا يمس رأسها مشط

    ولا تستظل بشمس حتى تراك

    وكان باراً بأمه

    محباً لها

    فرقَّ قلبه

    وأزمع السفر إلى مكة

    فقال له عمر :

    يا عياش

    والله
    إن القوم يريدون أن يفتنوك عن دينك

    ويحبسوك

    ويعذبوك

    فاحذرهم

    فوالله لو كثر القمل في رأس أمك لامتشَطَتْ

    ولو قد اشتد عليها حرُّ مكة لاستظلت

    وما هذان إلا كاذبان مدّعيان .

    فأبى عياش إلا الخروج معهما ليَبَرَّ قَسَمَ أمه
    فقال له عمر :

    إذا أبيت نصيحتي وقررت الخروج معهما

    فخذ ناقتي هذه

    فإنها ناقةٌ أصيلة ذلول

    فالزم ظهرها

    وراقبهما

    فإن رأيت في القوم ريبة فانج عليها .
    فخرج عليها معهما

    حتى إذا كانوا في بعض الطريق

    يلينان له القولَ ويبتسمان في وجهه

    قال أبو جهل :

    والله يا أخي

    إنَّ بعيري هذا غليظ هجين

    أفلا تردفني على ناقتك هذه ؟

    قال عياش :

    بلى

    فأناخ ناقته

    وأناخا ليتحول أبو جهل عليها

    فلما استووا بالأرض عَدَوَا عليه

    وأوثقاه

    وربطاه

    وظل هكذا على حالته هذه حتى وصلوا إلى مكة فدخلوها نهاراً ليراه الجميع مكبلاً

    فلا يجرؤ أحد على الهجرة

    ومخالفة المشركين

    وقالا :

    يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا !!
    وبقي عياش في قيد الكفار حتى إذا هاجر رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ قال يوماً :

    (( مَن لي بعيّاش وهشام ؟!

    فقد طال أسرهما وأرجو الله أن يفرّجَ عنهما .

    . فهما محبوسان في بيت لا سقف له إمعاناً في التعذيب

    تلفحهما الشمس في النهار

    ويؤذيهما البرد في الليل

    وتحمل إليهما طعامهما امرأة )) .
    قال الوليد بن الوليد :

    أنا لك يا رسول الله بهما .
    قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ

    : (( سِرْ على بركة الله )) .
    فقدم الوليد مكة مستخفياً

    ولقي المرأة تحمل طعامهما

    فتبعها حتى عرف موضعهما

    فلما أمسى تسوَّر الجدار

    وقطع قيدهما

    وحملهما على بعيره حتى قدم المدينة .
    ولا تسل عن فرحة رسول الله ـ صلى الله عليبه وسلم ـ والمسلمين بهم حميعاً .


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 6:23 am