a
الطريق إلى الولد الصالح
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن المؤمن يحب الحق والعدل، ويقوم بهما؛ لأن الله -تعالى- هو الحق
ويحب الحق، وأمر به
ولأن المكان الذي يقوم عليهما يستقيم أمره وتــُشيد أركانه.
والحق في اللغة هو: النصيب الواجب للفرد والجماعة
والحقوق بين الزوجين هو النصيب الواجب لكل زوج على الآخر,
وقد أمر الله به فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(البقرة:228).
قال ابن جرير -رحمه الله-:
"قال بعضهم تأويله: ولهن من حـُسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه الله -تعالى ذكره- له عليها.
وروى بسنده عن ابن زيد -رحمه الله- قال: يتقون الله كما عليهن أن يتقين الله فيهم".
وقال بعضهم: معنى ذلك:
ولهن مثل الذي على أزواجهن من التصنع والمواتاة مثل الذي عليهن لهم في ذلك.
وروى بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:
"إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي
لأن الله -تعالى- يقول:
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). تفسير الطبري 2/1270.
قال القرطبي -رحمه الله-:
"الآية تعم جميع ذلك من الحقوق الزوجية". التفسير 3/88.
وبيَّن الله -تعالى-
أن الحادي الذي يسوق إلى أداء هذه الحقوق هو:
المودة والرحمة
فقال -تعالى-:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
(الروم:21)، فالمودة تدل على القرب والملاطفة,
والرحمة تـُشعر بحرص كلٌ من الزوجين على مصلحة صاحبه
والرفق به,
والإشفاق عليه من كل مكروه
فهما -بحق- دستور المعاشرة بالمعروف
فعليهما أن يأخذا بأسباب تعميقها
من خلال تطبيق هذه الحقوق والواجبات المشتركة بينهما.
أولا:
أن يغض كلٌ منهما الطرف عن الهفوات والزلات لاسيما غير المقصودة:
فكل منا ذو خطأ
والغفلة والسهو والنسيان والخطأ من صفاتنا الجبلية
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وقال الشاعر الباهر:
واعلم بأنك إن طلبــــــــــــــــــــ ت مهذبا رُمت الشطط
من ذا الذي ما ســــاء قــــــــــط ومن له الحـسنى فـقط
فينبغي التماس المعاذير، وتقديم حسن الظن
والتعامي عن الهفوات، والمسارعة إلى الاعتذار إن تبين الخطأ.
وينبغي النظر إلى المحاسن وتعظيمها؛ قال الله -تعالى-:
(فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء:19)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر)
رواه مسلم، وقال أبو الدرداء -رضى الله عنه- لامرأته:
"إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب".
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-:
"أقامت أم صالح معي عشرين سنة, فما اختلفت أنا وهى في كلمة"
فالله المستعان.
ثانيا: النصيحة والتعاون على البر والتقوى:
قال -تعالى-:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ)(المائدة:2)
وقال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تباً للذهب والفضة قال عمر: فما تأمرنا؟ قال:
لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة ً تــُعين على أمر الآخرة) رواه أحمد والبيهقي
وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)
رواه أبو داود، وقال الألباني حسن صحيح.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
أيها الزوجان الكريمان: تـُبين لنا هذه النصوص الشريفة تعاون الزوجين على طاعة الله ومرضاته
وأنها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة, كما أنها سبب السعادة في الدنيا, قال الله -تعالى-:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)(النحل:97).
والحياة الطَيِّبَة هي حياة السعادة بجميع معانيها, فها هي رحمة الله تتنزل في بيتكما، والسكينة -الطمأنينة- تغشاكما
وملائكة الرحمة تحط رحالها بينكما.
وها هو الشيطان -لعنه الله- يفر هارباً خاسئاً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) رواه مسلم.
وهذا التعاون الجليل خطوة عظيمة على الطريق للولد الصالح
فصلاح الآباء ينفع الأبناء.
قال -تعالى- في قصة صاحب الغلامين عن الخضر -عليه السلام-:
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)(الكهف:82).
وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله-:
"إني لأصلي، فأذكر ولدي؛ فأزيد من صلاتي", وقال أحد الصالحين:
"يا بني, إني لأستكثر من الصلاة لأجلك".
في هذا الجو الإيماني والعـُش الدافئ الذي تغمره المودة والرحمة تـَشـِبُّ الذرية على حب طاعة الله
وتعظيم شعائره اقتداءً بالأبوين
قال -تعالى-: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)(آل عمران:34).
ثالثاً:
حفظ السر:
هذا حقٌ مهم جداً بين الزوجين
وسبب كبير لاستقرار البيت؛ فإنه قد اطلع كلٌ منهما على الآخر بما فيه من العيوب والمميزات، فلا يجوز لأحد منهما أن يذكر الآخر بسوء ولا أن يفشي سره.
قال -تعالى-:
(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)(النساء:34)
أي الصالحات قائمات بحقوق أزواجهن,
ومعينات لهم على الدين
وحافظات لغياب أزواجهن
في عرضٍ فلا تزني
وفى سر فلا تـُفشي! ولا أن يعيره ولو فيما بينهما.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي -يجامع- إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) رواه مسلم، نعوذ بالله من ذلك.
رابعاً:
المبيت في الفراش والإعفاف:
فلا يجوز لأحد الزوجين أن يمنعه صاحبه مع القدرة عليه
وخاصةً الزوجة
لأن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة
ولأن داعية النكاح أقوى التشويشات عليه
لذلك ورد الوعيد الشديد في المرأة التي تتصنع لزوجها ثم تمتنع منه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري.
وعلى الزوج أن يراعي حاجة زوجته حسب قدرته
ويحرم عليه تعمد هجرانها قال -تعالى-:
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)(النساء:129).
قال أبو بكر الجصاص -رحمه الله-:
"ويدل على أن عليه وطأها قوله -تعالى-:
(فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)(النساء:129)
يعنى:
لا فارغة فتتزوج، ولا ذات بعل إذا لم يوفها حقها من الوطء". انتهى.
خامساً: تزين الزوجين:
وهذا حق لكل منهما على الآخر
وسبب عظيم من أسباب الألفة والمودة,
ويدل لذلك حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلا أَيْ عِشَاءً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) رواه البخاري ومسلم.
فالشعثة هي البعيدة العهد بالغسل وتسريح الشعر والنظافة,
والمُغيبة هي التي غاب عنها زوجها.
فالمرأة الصالحة هي التي تُديم الزينة التي تدخل السرور ما دام حاضراً ولا تهجر ذلك إلا في غيبته.
والمرأة الصالحة تسعى لإرضاء زوجها,
وتدخل على قلبه السرور إذا جاء بيته
فتستقبله متزينة متنظفة لا تُبدي تعبا من عمل ولا نفوراً من أمر,
متحرية إدخال السرور عليه,
فتحمل عنه متاعه وتُعينه على نزع ثيابه
تقدم له ما يلبس وذلك مدعاة لسروره وسعادته بامرأته.
ولتحذر المرأة الصالحة من ضد ذلك فإنه يجلب النفرة والابتعاد.
وعلى الرجل أيضا أن يتزين الزينة المناسبة له, فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:
"إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي".
وقال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي:
"أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء, ولحيته تقطر من الغالية -نوع من الطيب-
فقلت ما هذا؟
قال:
إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي ودهنتني بالطيب وإنهن يشتهين منا ما نشتهي منهن".
وعلى كلٍ فينبغي أن يكون الرجل عند زوجته في زينة تسرها وتعفها عن غيره من الرجال!
وأن يحذر الرجل من ضد ذلك أيضاً، فإنه يؤدي إلى نفرة قد تهدم البيت -عياذا بالله تعالى-
ونسأله -تعالى- أن يوفقنا لما يحب ويرضى
وأن يوفقنا لإعطاء كل ذي حق حقه. آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن المؤمن يحب الحق والعدل، ويقوم بهما؛ لأن الله -تعالى- هو الحق
ويحب الحق، وأمر به
ولأن المكان الذي يقوم عليهما يستقيم أمره وتــُشيد أركانه.
والحق في اللغة هو: النصيب الواجب للفرد والجماعة
والحقوق بين الزوجين هو النصيب الواجب لكل زوج على الآخر,
وقد أمر الله به فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(البقرة:228).
قال ابن جرير -رحمه الله-:
"قال بعضهم تأويله: ولهن من حـُسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه الله -تعالى ذكره- له عليها.
وروى بسنده عن ابن زيد -رحمه الله- قال: يتقون الله كما عليهن أن يتقين الله فيهم".
وقال بعضهم: معنى ذلك:
ولهن مثل الذي على أزواجهن من التصنع والمواتاة مثل الذي عليهن لهم في ذلك.
وروى بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:
"إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي
لأن الله -تعالى- يقول:
(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). تفسير الطبري 2/1270.
قال القرطبي -رحمه الله-:
"الآية تعم جميع ذلك من الحقوق الزوجية". التفسير 3/88.
وبيَّن الله -تعالى-
أن الحادي الذي يسوق إلى أداء هذه الحقوق هو:
المودة والرحمة
فقال -تعالى-:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
(الروم:21)، فالمودة تدل على القرب والملاطفة,
والرحمة تـُشعر بحرص كلٌ من الزوجين على مصلحة صاحبه
والرفق به,
والإشفاق عليه من كل مكروه
فهما -بحق- دستور المعاشرة بالمعروف
فعليهما أن يأخذا بأسباب تعميقها
من خلال تطبيق هذه الحقوق والواجبات المشتركة بينهما.
أولا:
أن يغض كلٌ منهما الطرف عن الهفوات والزلات لاسيما غير المقصودة:
فكل منا ذو خطأ
والغفلة والسهو والنسيان والخطأ من صفاتنا الجبلية
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
وقال الشاعر الباهر:
واعلم بأنك إن طلبــــــــــــــــــــ ت مهذبا رُمت الشطط
من ذا الذي ما ســــاء قــــــــــط ومن له الحـسنى فـقط
فينبغي التماس المعاذير، وتقديم حسن الظن
والتعامي عن الهفوات، والمسارعة إلى الاعتذار إن تبين الخطأ.
وينبغي النظر إلى المحاسن وتعظيمها؛ قال الله -تعالى-:
(فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء:19)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَر)
رواه مسلم، وقال أبو الدرداء -رضى الله عنه- لامرأته:
"إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب".
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-:
"أقامت أم صالح معي عشرين سنة, فما اختلفت أنا وهى في كلمة"
فالله المستعان.
ثانيا: النصيحة والتعاون على البر والتقوى:
قال -تعالى-:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ)(المائدة:2)
وقال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تباً للذهب والفضة قال عمر: فما تأمرنا؟ قال:
لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة ً تــُعين على أمر الآخرة) رواه أحمد والبيهقي
وصححه الألباني.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)
رواه أبو داود، وقال الألباني حسن صحيح.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
أيها الزوجان الكريمان: تـُبين لنا هذه النصوص الشريفة تعاون الزوجين على طاعة الله ومرضاته
وأنها سبب الفلاح في الدنيا والآخرة, كما أنها سبب السعادة في الدنيا, قال الله -تعالى-:
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)(النحل:97).
والحياة الطَيِّبَة هي حياة السعادة بجميع معانيها, فها هي رحمة الله تتنزل في بيتكما، والسكينة -الطمأنينة- تغشاكما
وملائكة الرحمة تحط رحالها بينكما.
وها هو الشيطان -لعنه الله- يفر هارباً خاسئاً.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) رواه مسلم.
وهذا التعاون الجليل خطوة عظيمة على الطريق للولد الصالح
فصلاح الآباء ينفع الأبناء.
قال -تعالى- في قصة صاحب الغلامين عن الخضر -عليه السلام-:
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)(الكهف:82).
وقال سعيد بن المسيب -رحمه الله-:
"إني لأصلي، فأذكر ولدي؛ فأزيد من صلاتي", وقال أحد الصالحين:
"يا بني, إني لأستكثر من الصلاة لأجلك".
في هذا الجو الإيماني والعـُش الدافئ الذي تغمره المودة والرحمة تـَشـِبُّ الذرية على حب طاعة الله
وتعظيم شعائره اقتداءً بالأبوين
قال -تعالى-: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)(آل عمران:34).
ثالثاً:
حفظ السر:
هذا حقٌ مهم جداً بين الزوجين
وسبب كبير لاستقرار البيت؛ فإنه قد اطلع كلٌ منهما على الآخر بما فيه من العيوب والمميزات، فلا يجوز لأحد منهما أن يذكر الآخر بسوء ولا أن يفشي سره.
قال -تعالى-:
(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)(النساء:34)
أي الصالحات قائمات بحقوق أزواجهن,
ومعينات لهم على الدين
وحافظات لغياب أزواجهن
في عرضٍ فلا تزني
وفى سر فلا تـُفشي! ولا أن يعيره ولو فيما بينهما.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي -يجامع- إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) رواه مسلم، نعوذ بالله من ذلك.
رابعاً:
المبيت في الفراش والإعفاف:
فلا يجوز لأحد الزوجين أن يمنعه صاحبه مع القدرة عليه
وخاصةً الزوجة
لأن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة
ولأن داعية النكاح أقوى التشويشات عليه
لذلك ورد الوعيد الشديد في المرأة التي تتصنع لزوجها ثم تمتنع منه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
(إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه البخاري.
وعلى الزوج أن يراعي حاجة زوجته حسب قدرته
ويحرم عليه تعمد هجرانها قال -تعالى-:
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)(النساء:129).
قال أبو بكر الجصاص -رحمه الله-:
"ويدل على أن عليه وطأها قوله -تعالى-:
(فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ)(النساء:129)
يعنى:
لا فارغة فتتزوج، ولا ذات بعل إذا لم يوفها حقها من الوطء". انتهى.
خامساً: تزين الزوجين:
وهذا حق لكل منهما على الآخر
وسبب عظيم من أسباب الألفة والمودة,
ويدل لذلك حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلا أَيْ عِشَاءً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) رواه البخاري ومسلم.
فالشعثة هي البعيدة العهد بالغسل وتسريح الشعر والنظافة,
والمُغيبة هي التي غاب عنها زوجها.
فالمرأة الصالحة هي التي تُديم الزينة التي تدخل السرور ما دام حاضراً ولا تهجر ذلك إلا في غيبته.
والمرأة الصالحة تسعى لإرضاء زوجها,
وتدخل على قلبه السرور إذا جاء بيته
فتستقبله متزينة متنظفة لا تُبدي تعبا من عمل ولا نفوراً من أمر,
متحرية إدخال السرور عليه,
فتحمل عنه متاعه وتُعينه على نزع ثيابه
تقدم له ما يلبس وذلك مدعاة لسروره وسعادته بامرأته.
ولتحذر المرأة الصالحة من ضد ذلك فإنه يجلب النفرة والابتعاد.
وعلى الرجل أيضا أن يتزين الزينة المناسبة له, فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:
"إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي".
وقال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي:
"أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء, ولحيته تقطر من الغالية -نوع من الطيب-
فقلت ما هذا؟
قال:
إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي ودهنتني بالطيب وإنهن يشتهين منا ما نشتهي منهن".
وعلى كلٍ فينبغي أن يكون الرجل عند زوجته في زينة تسرها وتعفها عن غيره من الرجال!
وأن يحذر الرجل من ضد ذلك أيضاً، فإنه يؤدي إلى نفرة قد تهدم البيت -عياذا بالله تعالى-
ونسأله -تعالى- أن يوفقنا لما يحب ويرضى
وأن يوفقنا لإعطاء كل ذي حق حقه. آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.